السبت، 11 يونيو 2011

قــد أكــون أنا!



من ديوان فلم طويل جداً / قــد أكــون أنا!
خزعل الماجدي


قــد أكــون أنا!

كلما ارتدى شبحاً صارَ أبعد
كلما تراشقَ مع الباطن اسودَّ
هذه نهايات جسدِه ورمادِه
كيف تحلى بوردةٍ ونشيد ذات يوم؟
معتمٌ أصفر ومسخمٌ بخمورٍ
يسير في الشوارع ويهذي بالحقيقية ، في يده العصا
يصفِّف شعرَه ويحلم بالماضي.. أيّ عهد؟
ماذا دهى الخرافاتُ ممددةً على الشوارع
التماعاته في النشيد وفي الملاطفات
ظهرت الشمس فكشف قلادته
كان يدير السماءَ من اليمين إلى اليسار
شبابُـهُ محترق بهذه السوالف
وعيونُـهُ لا ترى ما على الأرض.




ثانـويــة قتيبة
يفركـون حجـرَ الفلاسفـةِ
فلا يتحول الرصاصُ إلى ذهبٍ
بـل تتحـول أيـديهــم

الأمراءُ الصغـار بملابس كالحـةٍ يعيدون نشيدَهـم الأبدي،وعشبةٌ حمراءَ في أفواههم،نشيد النبالةِ والإرثِ كان آباؤهم فلاحين وصائدي أسماك وحاملي رايات عشائر. تقوّضت مضائفهم فلم يعد لأولادهم سوى مضيف واحد اسمه (ثانويـة قتيبة) التي ازدحمت بهم وبأساطيرهم وبجذورهم وأثمارهم الملقاة في جمرّاتها.
زيـدان خلـف
الإسطرلابيّ الحزين
الامراءُ المرتبكون الذين يقطعون الطريقَ من بيوتهم إلى المدرسة وفي أيديهم المصابيح. أين وردي لأحكَّ عنه الصدأ والزمان ، حاملـو الدفاتر السمراء ، الطامحون لصعود القمم البعيدة. أخذوا من مجامرِهم ورموا سرّةَ المدينة بالكلمات.

فلاح حسن
اللاعبُ الجميلُ الساحرُ القويّ.
كاظم كوكز
المهندسُ المتربصُ بالبحر.
صباح جاسم
الطبيبُ الغريبُ التائـهُ.
علي أحمد
أستاذ اوركسترا الرياضيات الذي علّمنا
الجفرَ وأشعل فينـا الحرائق.



سلالـةٌ من الأمراء الذي أزاحوا الغشاءَ وتقدموا نحو مصائرِهم
يفتحون أكثر من فجر
لكن نهارَهم القادمَ مدمّى
لماذا؟



شطيـط
نهـرٌ أعمـى
له بصيرة الخفاء
خلاصةُ تاريخٍ فَسُدَ بأيدي الطغاة ، حنّ للفجر لكنه تعثّر واحترق ، حنّ لأن يكون نهراً له قدمان وكفّان وعينان لكنه تعثّرَ بين الصرائف وبيوت الطين ورآه الفقراءُ مثل قتيلٍ ، ابتكروا له شعلةً وجدائلَ من فحمٍ وقمّطوه.


نهــرٌ
شاهدٌ على الفجيعة
قبل أوانهــا
شاهدٌ على الموت،رموا فيه أسلحتهم وأحلامهم ورثوه طويلاً ،لججُ الغيم فيه ، وفيه الجنون وفيه خلاصـات
ورد مدمّى.

نهـر الكيمياء
تناسلت فيه الأخلاطُ وارتفعت فيه كرومٌ من الجحيم، حنّ لمنبـعٍ حنَّ لمصبٍّ ولكنه كـان أعـزل إلاّ من الخوف، ماتت به الطيور وذابت به المعاطف الخاكية والأبقار واسودّ حتى علت عليه الدفوفُ حمراء وحتى تهاوت به النهارات والليل كان يعانقهُ.

نهـرٌ
شاهدٌ وشهيد
ذلك الذي جمع أحلامَنا في سلالات مدجّجةٍ بأدويةٍ وبأمراضٍ وتكدس فينـا ، يالبغـداد ويالأسراهـا ، يالأنهارها التي تُخرج الحيّ من الميت وتخرج الميت من الحيّ ويالعذاب السنين.
دُفنَ شطيط تحت التراب لكن أشباحه ما زالت تحوم.

خردة
يخرج من شقّته ، يركب السيارات ، يرى في ساحـة التحرير بسطـات الخردة والفديوهات والأتـاري ، يشتري كتباً ممنوعةً ، يدخل مطعماً ، يجلس في مقهى، يرى بوسترات الأفلام الرخيصة ، يشتري قميصاً من البالة ، يلاقي أبانؤاس مخموراً ، يرى ذيل الحيّة ، يرى قبر الحلاج ، يمشي قرب دجلة ، يعاتبه السهروردي ، يشوون اللحم والكلاوي ، يدخن نصف سيجارة ، يدخل المقهى ويرى الشعراءَ الفاشلين ، يتابع امرأة ، يشتري كاميرا، يكتب جملةً شعرية في دفتر التلفونات، يتنفس بعمق غير أنه يحسّ أن رائحـةَ بغداد الخفيـة المدمّاة المقهورة تتسرب إلى رئتيه وجسدهِ.

كيف أداوي جراحكِ
كيف ألثم يدكِ وأبوسها
ومن أين لي أدوات الخلاص لكي أرفعكِ مما أنتِ فيه
نحنُ الشعراء العزّل
نحنُ الضعفاء الذين لا نقوى إلاّ على الحب.



هذا أكثر ما يؤلمنـي
في كركوك
في ذلك المعسكرِ الموحشِ
وقفتُ أبادلُ النجومَ حسرتَها
وأدوِّن هدرَ أيامي بتنظيف بندقيتي القديمـة وبسطالي الكالح
ما الذي جنيته لكي يهيؤنني إلى الحرب
لا شيء سوى المعسكرات الموحشة والليالي التي تقطرُ عذاباً
حياتي تتسرب من بين يدي وتذهب إلى الموت
نباحُ الكلابِ الذي يقطر من الليل
حسرات الحرمان
أحلامُ النوم بين أحضان زوجةٍ أو حبيبةٍ
أحلامُ ارتشاف كأسٍ مع الأصدقاء
حسرات تقطرُ من حديد المعسكرات ومن أشجارها الموحشةِ
هناكَ حيث تبددت حياتي
وهُدر مني شِعر كثير في السواقي الآسنةِ
هناك حيث ضاعت أفكاري وقصائدي
مع أصوات الجزم العسكرية
كيف أستجبت لكلِّ ذلك الهباء؟
وكيف قبلتُ أن تدنَّسَ حياتي هكذا؟
هذا أكثر ما يؤلمني.
كان أمراً يصعب قبوله
ولا أدري الآن كيف قبلتهُ ببساطةٍ؟
هذا أكثر ما يؤلمني.



واقفٌ أمام النصوص المستحيلة
واقفٌ أمام الخمور
واقفٌ أمام النصوص المستحيلة أحفر فيها وأكتب:
مرّ قربي فوزي كريم ثم مضى إلى عزلته
مرّ زاهر الجيزاني ثم مضى إلى بيته
مرّ سلام كاظم ثم مضى إلى زوجاته
مرّ رعد عبد القادر ثم مضى إلى مشاغله
مرّ عادل عبد الله ثم مضى إلى مبالغاته
مرّ حكمت الحاج ثم مضى إلى المقهى
مرّ محمد تركي النصّار ثم مضى إلى منفاه
مرّ منصور عبد الناصر ثم مضى إلى أعماله
مرّ طاهر رياض ثم مضى إلى بستانه
ما زلتُ واقفاً وحدي أمام هذه الحقول العصيّة
لقد ذهبوا مبكرين وتركوني وحيداً
رغم أن لي عزلةً وبيتاً وزوجةً ومشاغل ومبالغات ومقهى ومنفى وأعمالاً وبستاناً
لكني أقفُ أمام المستحيل
وغالباً ما أبكي.

***