غواية الأسرار*
د.خزعل الماجدي
الأسرار هي التي تبقى
بعد أن تنتهي الأغاني
أسرار غريبة مثل دخان
أسرار متفشية في الأماكن القليلة الإضاءة
أسرار تعيد صياغة أيدينا وأرواحنا دون أن ندري
أسرار تتناوب على حراسة فجائعنا مثل حيوانات أبدية
لكن...
من ذا الذي يعثُر على الأسرار ويفتحها؟
من يكشف ما حصل؟
الأسرار منتشرة بيننا لكننا لا نراها
لا نتعثَّر بها
في كل مكان هناك أسرار مختفية
الأسرار هي رمادنا الهائم
الأسرار هي أرواح الذين اختفوا
دون أن نعرف كيف؟ ولماذا؟
ومن فعل بهم ذلك؟
أسرار تتمشّى بيننا
مثل رجال أو نساء من الغبار
أسرار تلعب معنا
أسرار تهمس في آذاننا.
فإذا نبضت، ذات يوم، فإن بذورها
ستنبت أشجاراً من الأحزان
ما أكثر غابات النهرَين الخفيّة...!
ما أكثر الأسرار المدفونة فيها...!
تلك التي نراها
والتي لا نراها...
عيد!
غابات من النساء
محترقةً...
أشيل أغصاناً
أزيح عنها السخام
فأجد جموعاً
يا إلهي...
ماذا فعلوا بهذا الجمال كلّه:
قصّوا شعرَها ومسحوا صبغ أظافرها
وطيّنوا زينتها
ألبسوها الرماد
وهصروا جسدها تحت أقدامهم
هذا هو العيد!
الرجال... الرجال المزيّفون
حاملو الأسلحة
حاملو الإشارات...
اللصوص الذين ينشرون القبح والموت على كل شيء
حفروا لحداً كبيراً
وأسدلوا المرأة فيه
هذا هو عيد المرأة.
عندما في سامرّا
مرّ التابوت على تكريت فاختفى
ثم ظهر في سامراء ورفعته الأيدي الملوِّحة
وضعوه على الأرض
فوقفت حوله أربع نساء عاريات
حرّكن شعورهنّ باتجاه الشرق
فظهرت فيه أسماكٌ وزهورٌ
وحرّكت القواقع أرجلها الخفيّة
ظهرت علامة الأنوثة الكبرى على غطائه
وفقست العقارب بيوضها فخرجت صغارها من ظهرها
وأكلت الأمّهات
صلاة استنزال المطر بدأت
نزل مطرُ الدم
وناحت البيوت
الملوية انحنت وتحطّم بّرجها الأعلى
الأضرحة المهدّمة بكت
لم يعد هناك سوى الحطب
الحطب الذي يريدون حرق البلاد به
كأن التاريخ تدحرجه الرياح مثل كرة شوكٍ تائهةٍ
محاريب تشبه الأكفان
وأقواس تشبه الوعد
لا نهر في أوراقي ولا غصون
أكفر بالإنسان العقرب يتدلّى من خيط التاريخ
أفكر بالنهايات الذابلة
وبالمعادن المدفونة تحت جلودنا.
* من ديوان" أحزان السنة العراقية".