"سحر البدايات" لخزعل الماجدي أو خداع الموت/ النهاية رشا عمران ما الذي يعطي لبدايات الأشياء والأحداث الشخصية والعامة ذلك السحر الذي يجعل منها البدايات- مطلباً دائماً وتوقاً بشرياً أزلياً، ما دامت "البداية" محكومة أبداً "بنهاية"؟ هل هو إذاً البتر وعدم الاكتمال والنقصان الذي تحدث عنه الشعراء والفلاسفة والفنانون عبر الزمن، هل هو الموت/ النهاية هو ما يجعل "البداية" محاطة بهذا السحر الجاذب؟ هل هي الرغبة البشرية بالاكتشاف وبخوض التجارب والاختبارات الدائمة في محاولة للتحايل على الموت /النهاية تجعل البشر يتعلقون بفكرة "البدايات"؟ هل هو الغموض الذي يكتنف كل جديد قادم ويثير فينا غريزة المعرفة ما يجعلنا نتمسك "بالبدايات" دائما؟ " البدايات غامضة، ونزعة البحث عنها في داخلنا هي الأخرى غامضة، وفي الغموضين ما يمنحنا لذة مزدوجة من شعور بالماضي الغائب والحاضر الجديد وشعور بكثافة روحية وتبصر علمي في الوقت نفسه". كيفما كان الأمر فإن التعلق البشري "بالبدايات" هو نزعة إنسانية/ حياتية رافضة لفكرة الموت،رافضة لفكرة الفناء،رافضة لفكرة العدم، رافضة لكل ما يحيل الكائن الحي إلى الفراغ والتلاشي الكلي. حول "البدايات" بوصفها "عتبة للدخول إلى عوالم جديدة محتشدة بالأسرار"، وبوصفها "حاضنة للنواة الأولى وشفراتها البدئية ويتجمع عندها كل تاريخ الأشياء والظواهر" يقدم الشاعر والمؤرخ العراقي (خزعل الماجدي) كتابه الجديد (سحر البدايات التكوين في ريعان فجره) الصادر مؤخرا عن دار النايا في دمشق في طبعة أولى مرفقة بصور وأشكال وجداول موثقة تاريخيا لمساعدة القارئ على ربط السرد التاريخي للظاهرة بما يقابلها من أثر بشري معرفي، فني أو علمي. يقول (خزعل الماجدي) عن كتابه: "هذا الكتاب يطرح جانبا كل الأفكار التي رسمت بدايات غير صحيحة ويحاول رصد البدايات الحقيقية التي استقرت عليها نظريات وتجارب وأفكار العلم في كل الحقول،فهو خلاصة لجهود علماء أضاءوا لنا الطريق بأفكارهم النيرة ووضعوا البديل الحقيقي لمعرفة البدايات أو الأصول التي انطلقت منها تلك الأشياء والظواهر". يتكون (سحر البدايات) من أربعة وعشرين فصلا مصنفة في خمسة أبواب رئيسية، الباب الأول: (التكوين) وفيه ثلاثة فصول تبحث في بداية الكون (الانفجار الكبير الانتفاخ-الاندماج النووي-الكوازارات-المجرات) وفي بداية الأرض (الدهور والعصور الجيوليوجية- الزمن ما قبل الكامبري-الدهور الثلاثة الاولى-العصور الجليدية الاوروبية) وفي بداية الانسان حيث(إنسان البليوسين). الباب الثاني: (الحضارة)وفيه أربعة فصول تبحث في بداية التاريخ (عصور الإيوليت-الباليوليت-الميزوليت-النيوليت-الكالكوليت).وفي بداية الزراعة وبداية التدجين (أول أماكن الزراعة). وفي بداية المجتمعات. وفي بداية الكتابة(الكتابة اللانظامية- الكتابة النظامية البروتولتريت- الكتابة الأبجدية). الباب الثالث: )الفنون) وفيه سبعة فصول :بداية الرسم (تخطيط بلومبوس-الرسومات الاسترالية في ونديينا وبراشادو- كهف زامبيا- رسومات الكهوف الأوروبية-رسومات الصحراء الإفريقية/ الليبية- رسومات الشرق الأدنى الفخارية). وبداية النحت (منحوتات الباليوليت الأسفل-منحوتات الباليوليت الأعلى-منحوتات النيوليت-منوتات الكالكوليت).وفي أول العمارة وبداية المسرح وبداية الأزياء وبداية الموسيقى وبداية الشعر. الباب الرابع :(الأديان) وفيه أربعة فصول: بداية السحر وبداية العرافة (ماهي العرافة وما أسسها) وبداية الأسطورة وبداية الدين (المعتقدات الدينية في النيوليت-في الكالكوليت- الدين السومري أول الأديان). الباب الخامس)العلوم) وفيه ستة فصول :بداية الفلك وبداية الطب وبداية الفلسفة وبداية القوانين وبداية المدارس وبداية المكتبات. قد يكون من الصعب تناول هذا الكتاب بصفته مرجعاً تاريخياً أساسياً مع اعتماده على الكثير من المصادر والمراجع العربية والاجنبية والمواقع الالكترونية، خصوصاً أن المعلومات التي تقدمها مواقع النت ليست دائما موضع الثقة والأمانة العلمية المرجوة،إلا أن هذا الكتاب يقدم لقارئه معلومات غاية في الأهمية والفائدة حول بدايات التاريخ البشري والظواهر الانسانية منذ فجر التكوين، كما أنه يشكل نقطة انطلاق (بداية) لأي باحث في التاريخ الانساني والبشري إذ يستطيع (سحر البدايات) أن يمنح الباحث المفاتيح الرئيسية لبحثه ويسهل عليه عملية البحث عن مراجع ومصادر لازمة، وهذا يثبت ما قدمه (خزعل الماجدي) من جهد كبير وواضح أثناء إعداده لهذا الكتاب، جهد قد يكون هو بحد ذاته ما يعطي المصداقية لكتب بحثية كهذا الكتاب. أخيراً سيجد قارئ (سحر البدايات) أن هذا الكتاب لا يقرأ فقط ككتاب تاريخي وعلمي يبحث في بداية الأشياء والظواهر، بل تمكن قراءته أيضا كأحد الكتب القليلة،في مجاله، التي تمنح متعة نادرة أثناء القراءة، متعة تمنحها عادة الكتب الأدبية والإبداعية لا البحثية، ثمة انحياز واضح لدى الكاتب نحو التاريخ، ثمة علاقة حب تربطه مع هذا التاريخ، ثمة شغف بالبدايات وبكل ما ينتج بدايات جديدة، شغف يتقنه الشعراء جيداً، يتقنه المبدعون عموماً، شغف يجعل من هذا الكتاب كتاباً أدبياً/ بقدر ما هو علمياً،فيه تلك الشاعرية في تناول موضوع محبب وقريب إلى هذا الحد، وبالعموم تبقى فكرة البحث عن البدايات فكرة شعرية تجسد توق الشاعر إلى الخلود عبر البدء من جديد في كل تفاصيل حياته، عبر الولادة المتكررة التي تتيح له المزيد من الاكتشاف والاختبار والمتع والرغبة في إعادة تجربة "البدايات" مرة وراء مرة علّ "البدايات" تستطيع يوماً أن تراوغ الموت/ النهاية وتخدعه فيبتعد. |