الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

خزعل الماجدي: شعري من تراجيديا العراق



خزعل الماجدي: شعري من تراجيديا العراق

عندما قررت أن يكون الإطار العام أو الشكل العام للمجموعة كروزنامة شعرية لمدة سنة، وجدت نفسي ملزما أن أدون 365 قصيدة، لكل يوم قصيدة
لا بد من القول إنني خسرت الكثير بسبب بقائي في العراق مدغما في أدب عام لبلد تحكمه عقيدة سياسية راديكالية
رغبت أن أكتب ملحمة العراق التراجيدية التي تتناسب مع ما حصل له على مدى أربعين عاما 

حاورته زهرة مروة


يُعتبر الشاعر العراقي خزعل الماجدي أحد أبرز شعراء السبعينيات في العراق، وقد عمل مع أبناء جيله على التجديد في الشعر، واصلا بالتجريب إلى أمداء عديدة من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر وصولا إلى النص المفتوح الذي اعتمده في ديوان "حية ودرج". له ثلاثة مجلدات شعرية، كما أن له كتباً كثيرة في التاريخ والأديان والميثولوجيا، وهو أيضا مؤلف مسرحي.





أصدر الشاعر المقيم في هولندا حاليا، كتاب "أحزان السنة العراقية" (دار الغاوون) الذي يُعتبر أضخم مجموعة شعرية عربية على الإطلاق (900 صفحة)، ويركز على أحداث العام 2006 الدموية في العراق. الجزيرة نت التقت الماجدي وأجرت معه الحوار الآتي.

*بداية، أنت بديوانك الجديد القائم على فكرة الروزنامة تصنع تاريخا شعريا موازيا للتاريخ العراقي الحديث. هل تعتقد أن بوسع الشعر الاضطلاع بمهمة كهذه في عصر طغت فيه الصورة والكاميرا؟

التاريخ الشعري لا يشبه التاريخ الواقعي لأنه لا يسجل الواقع كما هو بل يشحنه بطاقة جمالية وروحية تفصح عن مكنونه وجوهره أكثر مما تفصح عن أحداثه الكرونولوجية، وبذلك يقترب الشعر من الأسطورة في عمله هذا، لكن الفرق بين الشعر والأسطورة هو أن الأخيرة بنواة مقدسة بينما الشعر بنواة جمالية، وهكذا قد يعبر الشعر عن القبح أو الحرب بطريقة جمالية رغم فجيعتهما الواقعية، كتب صديق لي عن أحزان السنة العراقية وقال جملة مهمة هي: إن أحزان السنة العراقية هو الوجه الجميل من الحرب.

أنا شديد الميل لأن تنقل الأحداث بطريقتين، الأولى تقريرية بواسطة الإعلام والصورة والثانية جمالية بواسطة الشعر والأدب والفنون، لكن ما يفسدهما أن يقع أحدهما في فخ الآخر.

*لماذا اخترت العام 2006 تحديدا لتبني عليه كتابك؟

عام 2006 كان استثنائيا في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، فقد كاد العراق يضيع فيه نهائيا بعد أن وضع على حافة حرب أهلية وكان أكثر الأعوام دموية وخرابا، وقد كان استثنائيا أيضا بالنسبة لي، فقد خطف ولدي مروان وتعرضت عائلتي للأذى، واضطررت فيه لمغادرة العراق نهائيا، وكان لهذه التراجيديا العامة والخاصة وقعها الكبير علي فقررت تسجيلها شعريا لكي يبقى صداها ماثلا للأجيال القادمة.

من هذه اللحظة الحرجة في حياتي ولدت فكرة هذا العمل "أحزان السنة العراقية"، لأني حين كتبت قصيدة "خطف النسيم" بعد أيام من خطف ولدي، وجدت نفسي أكتب شعرا لكل يوم من الأيام الدامية دون أن أقصد ذلك أو أتعمده، ثم وجدت في هذا الأمر ضرورة ملحة، لكي لا تهرب من ذاكرتي أيام الرعب والقسوة تلك، ولكي تكون الكتابة شاهدا على ما جرى في البلاد وعلى فيض أحزاني التي لم تنقطع منذ ذلك الوقت إلى الآن.

*أنت تسمي في الكتاب مائة اسم للعراق، فما هو المغزى من ذلك، وأيها أقرب إلى قلبك؟


كل أسماء العراق التي ذكرتها وردت على لسان ولدي وهي قريبة من بحثي الروحي والتاريخي لبلدي، وقد أعلنتها بقوة وسط خراب العراق الذي سببته لنا أميركا وتجار السياسة في العراق وفي بلدان الجوار، لقد حاولت أن أقول للجميع إن للعراق كل هذه الأسماء ولا يمكنهم أن ينالوا منه فهو بأسمائه متعدد الأعماق ولا يبالي بالفؤوس التي تحاول تقطيعه.

*الأسطورة تشكل مادة مهمة بل أثيرة في عملك، كيف تنظر وتقيّم مثل هذا التوظيف في الشعر؟

كما قلت لك، الأسطورة والشعر ينقلان التاريخ إلى مستوى آخر، الأول قدسي تحاوله الأسطورة والثاني جمالي يحاوله الشعر.. لكن الأسطورة اليوم غائبة لأنها جزء من ديانات آفلة وقد تحولت بسبب هذا الأفول إلى نوع من الأدب، فزالت عنها شحنتها المقدسة وأصبحت مادة خاما للشعر يمكن أن نحول عناصرها الأولية للشعر فتشع بعناصر جمالية جديدة، وهكذا فعلت.

كما أن اهتمامي بالأسطورة بعيد يرجع إلى أول مجموعة صدرت لي عام 1980، وقد أصبحت لي آلياتي الخاصة في التعامل معها شعريا بعيدا عن الآليات التي عرفها أو صنعها الشعراء.

أنا أعتقد أن لا بد من أسطورة شخصية للشاعر لكي يصبح شاعرا حقيقيا، وكنت مقبلا على صناعة أسطورتي الشخصية في هذا الكتاب بالتوازي والتواتر مع أساطير بلادي التي هي أصل أساطير العالم كله، وهذا أمر نادر يتشرف به أي شاعر حقيقي.

*"أحزان السنة العراقية" هي أضخم مجموعة شعرية حديثة، والقارئ لا بد أن يتساءل عن سر هذه الضخامة، هل الموضوع هو الذي استدعى الأمر أم أن هناك قصدا من وراء ذلك؟

عندما قررت أن يكون الإطار العام أو الشكل العام للمجموعة كروزنامة شعرية لمدة سنة، وجدت نفسي ملزما أن أدون 365 قصيدة، لكل يوم قصيدة من ذلك العام، وهذا يعني مئات الصفحات ثم أضفت لها شيئين آخرين الأول هو ما يشبه الرؤيا بأربعة نصوص استشرفت فيها ما يمكن أن يحصل، ثم أضفت فصلا أسميته "الروزنامة"، وهو فصل نثري يتحدث عن ما حصل لبلادي ولي في 12 شهرا لكي يكون دليلا للقارئ كي يفرش أرضية الأحداث تحته ثم يقرأ العمل. وهكذا فإن عدد الصفحات يزداد حتى وصل إلى ما يقرب من 850 صفحة، هذا هو السبب الإجرائي.


أما القصد البعيد من هذا فلا شك أني رغبت أن أكتب ملحمة العراق التراجيدية التي تتناسب مع ما حصل له على مدى أربعين عاما بالتحديد، ثم على مدى تاريخه الطويل كله. لا بد أن ينبري أحدنا ليفعلها لأن ما حدث في العراق يستحق مئات بل آلاف الأعمال والملاحم في الشعر والرواية والمسرح والتشكيل وغيرها. إنها لحظة تراجيدية نادرة، ورغم دمويتها التي نالت منا لكننا يجب أن نتشرف بحمل عبئها الكبير.

*أنت تكتب المسرح، فهل كتبت أعمالا مسرحية بهذا المستوى؟

نعم لقد فعلتها منذ بداية التسعينيات، عندما كتبت مجموعة من الأعمال المسرحية التي توغلت في الواقع العراقي بشكل معلن أو غير مباشر، فقد عرضت لي مسرحيات "عزلة في الكريستال" التي تدين الحرب و"هاملت بلا هاملت" التي تدين الدكتاتورية والسلطة، و"قيامة شهرزاد" و"نزول عشتار إلى ملجأ العامرية" و"قمر من دم وسيدرا"، كل هذه المسرحيات كانت إدانة كاملة لما يجري في العراق في ظل الدكتاتورية ومسلسل الحروب آنذاك.

وبعد سقوط النظام عام 2003 كتبت "نصب الحرية" و"قطار الخامسة والعشرين" التي تتحدث عن الكارثة الجديدة للعراق في ظل الاحتلال وحكم المحاصصة والفساد والمنفى العراقي، كل هذه تشكل وجوها لملحمة مسرحية تسجل التراجيديا العراقية المعاصرة.

*الكتاب بدا كاكتشاف كبير بالنسبة للقارئ العربي، فهل تعتقد أن بقاءك في العراق طوال العقود الماضية أثر في انتشارك ومقروئيتك عربيا؟

كان من الصعب فهم ما يقال من قبلنا كنخبة سبعينية وثمانينية خاصة بعيدة عن البروباغاندا السياسية ولها رأيها الخاص فيما يجري ولها رؤاها الفنية المتميزة، وهكذا اختار الكثيرون منا العمل الجدي الرصين بعيدا عن المحافل الثقافية ذات الطابع الإعلامي، يومها اخترت العمل على تطوير أدواتي وثقافتي وتوغلت أيضا في دراستي الأكاديمية في تاريخ الحضارات والأديان لأعد نفسي لهذه المهمة بشكل جيد. كان كل هذا يجري بعيدا عن جعجعة شعر السلطة العمودي وشعر الحرب وشعر المديح والتسول.


نعم لا بد من القول إنني خسرت الكثير بسبب بقائي في العراق مدغما في أدب عام لبلد تحكمه عقيدة سياسية راديكالية، وخسرت الكثير لأنني لم أكن سياسيا معارضا، حيث هناك بريق خادع من نوع آخر. وهكذا جرى وضعنا تحت تعميم واحد وسخيف، وهو أننا بقينا في العراق وغيرنا هرب خارجه، رغم أنني خرجت منذ منتصف التسعينيات إلى الأردن وليبيا بلا عودة للعراق حتى سقوط النظام، لكن التصنيف القسري الذي كانت تمارسه السياسة لم يسمح لشيء حقيقي بالظهور.

*ما هي مشاريعك المستقبلية؟

سأصدر المجلد الرابع من أعمالي الشعرية، كما سأنتهي قريبا من المجلد الثاني لأعمالي المسرحية، وفي الميثولوجيا سيصدر لي كتاب (ميثولوجيا شام)، وانتهيت من ترجمة جديدة لملحمة جلجامش مع تأويل جديد لها.

وهناك أيضا مشروعي المتواصل في عقد سلسلة محاضرات عن وحدة حضارات العراق في لاهاي بهولندا، وهو مشروع سيستمر لمدة ثلاث سنوات عن كل الحضارات التي وجدت في العراق.
المصدر: الجزيرة