التسميات

الأحد، 12 يونيو 2011

الحب هو أعظم أسطورة شخصية ، وكذلك انتظار الموت...


الشاعر خزعل الماجدي:الحب هو أعظم أسطورة شخصية ، وكذلك انتظار الموت...
أجرى الحوار: سردار زنكنة
 (آكانيوز)-يشير الشاعرالعراقي المغترب خزعل الماجدي الى أن ما نحتاجه في السياسة هوالعقلانية،لأن السياسة عندنا مازلت هي فن المشاعروالعواطف،لافتاً الى أن العراق منذ أن اخترقته الأحزاب الشمولية الأصولية (الماركسية والقومية والإسلامية) تحطمت أركانه وتهدم مجتمعه،ودعا الماجدي الى فصل المقدس عن الدنيوي والإهتمام بالدنيوي وبناء أركانه العلمية الرصينة،وجعل المقدس أوالديني شأناً شخصياَ لا شأناَ عاماَ ،مؤكداً على أننا مازلنا غيرمهيئين للدخول في التاريخ الحديث الذي حول السياسة الى علوم متخصصة،وكشف في متن نص الحوارالآتي الذي أجراه معه مراسل وكالة كردستان للأنباء( آكانيوز)ان الأديولوجيات السياسية لم تجذبه وكان يعمل على بلورة  مشروعه الثقافي أولاً ويساهم في تأسيس جيل شعري جديد هو (جيل السبعينيات) زاعماً انه ،مع نخبةٍ ممتازة من شعراء الجيل،أنقذوا مشروع جيل السبعينيات من التسييس ومصادرة السلطة أو المعارضة له .
*(سلالـةٌ من الأمراء الذين أزاحوا الغشاءَ وتقدموا نحو مصائرِهم يفتحون أكثر من فجر لكن نهارَهم القادمَ مدمّى لماذا؟ شطيـط نهـرٌ أعمـى له بصيرة الخفاء خلاصةُ تاريخٍ فَسُدَ بأيدي الطغاة، حنّ للفجر لكنه تعثّر واحترق، حنّ لأن يكون نهراً له قدمان وكفّان وعينان لكنه تعثّرَ بين الصرائف وبيوت الطين ورآه الفقراءُ مثل قتيلٍ، ابتكروا له شعلةً وجدائلَ من فحمٍ وقمّطوه).يحيل هذا المقطع الشعري،كما يبدو في جو النص العام،الى ذاكرة مكانين واحداث ومخلوقات اجتماعية بعينها :نهر شطيط  والفقراء النازحين على ضفافه،وثانوية قتيبة في مدينة الثورة فيما بعد من اول قيامها وتكوينها..هنا عودة لامراء رفقتك واشارة الى مستقبل دامٍ يحيل البلاد الى حرائق ورماد وركام..الى متى يستمر هذا المصير والبلاء؟
ـ ما نحتاجه في السياسة هو العقلانية،لكن السياسة عندنا مازلت هي فن المشاعر والعواطف . أنا أعتقد أن السياسة علم يديره العلماء والمختصون والخبراء وليس القادة الشعبيون والفلاحون والعمال . السياسة عندنا يأتيها العاطلون عن العمل والذين يودون الهرب من مستوياتهم الاجتماعية البسيطة لكي يجعلوا منها سلماً للصعود والتحكم بالآخرين.ان تاريخنا غاطسُ في العواطف والمشاعرالدينية والقومية والعشائرية والفئوية، وما زلنا غير مهيئين للدخول في التاريخ الحديث الذي حول السياسة الى علوم متخصصة ، بل حول الحياة كلها الى علوم تعيد بناء العالم الذي كان ساذجاً وغارقاً في المرحلة اللاهوتية .في الحقيقة نحن مازلنا في التاريخ الوسيط وستتكرر فجائعنا إذا لم نشرع بالدخول الى التاريخ الحديث ثم المعاصر بشروطه وقوانينه المعروفة .
*ماهي هذه الشروط والقوانين ؟
-فصل المقدس عن الدنيوي والإهتمام بالدنيوي وبناء أركانه العلمية الرصينة ، وجعل المقدس أو الديني شأناً شخصياَ لا شأناَ عاماَ . ثم  بناء وتطبيق القانون الوضعي الصارم الذي يحاسب المجرمين والخارجين عن القانون واللصوص والقتلة . ثم الإهتمام بالتعليم والعلم  قبل كل شيئ واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية الليبرالية وتداول السلطة سلمياّ .
*بلا ريب كان للمدينة ،المكان/الثورة وثانويتها الشهيرة (قتيبة)التي شهدت مطلع السبعينيات تنافساً بين منظمتين طلابيتين ،شيوعية وبعيثة ،سنينئذ تاثير بالغ الاهمية على مرجعيتك الثقافية والفكرية ،بل حتى الاجتماعية ،ما اهم محطات تلك المرحلة في حياتك؟

ـ كنت ومازلت أحتقر السياسة وأكره الأحزاب وخصوصاً في بلادنا ، وقد نأيت بنفسي عن جعجعتها منذ صباي والى الآن وهذا ما أعتز به .في ثانوية قتيبة لم أكن أميل الى أية جهة سياسية ولم تؤثر بي أفكارها ولا مطاحناتها الفارغة  ، كنت في تلك المرحلة منصرفاً لبناء ذاتي علمياً وثقافيا،وكنت من عائلة فقيرة،متيقناً أن خلاصي من الفقر والحياة المحدودة اجتماعيا ًيتم عن طريق الدراسة والعلم لاعن طريق الأحزاب والسياسة ،فقد كنت أريد أن أكون إنساناً  متعلماً ولم أرغب في أن أكون بطلاً أو شهيداً .

*وفي مطلع السبعينيات أيضاَ ..كان الشعراء تتجاذبهما أيديولوجيتان معروفتان،وحسب عدد من الشعراء عليهما؟ برأيك الى أي مدى استطاع بعض الشعراء ان يتحرروا منهما لصالح مشروعهم الشعري الابداعي ؟ واين كنت تقف من ذلك التجاذب؟

ـ كما قلت لك لم تجذبني الأديولوجيات السياسية وكنت أعمل على بلورة  مشروعي الثقافي أولاً وأساهم في تأسيس جيل شعري جديد هو (جيل السبعينات ) وأزعم أني ،مع نخبةٍ ممتازة من شعراء الجيل،  أنقذنا مشروع جيل السبعينات من التسييس ومصادرة السلطة أو المعارضة له .

*ثمة عدد من الشعراء العراقيين وظفوا الاسطورة، في بعض قصائدهم الشعرية،لكنك تناولت في قسم من بحوثك ومؤلفاتك الاسطورة من وجهة نظر بحثية أكاديمية ..أين نصيبها في منجزك الشعري او المسرحي؟

ـ بدأت الإهتمام بالإسطورة أولاً من خلال الشعر وليس من خلال الدراسات والبحوث التي كتبتها ، فقد كانت أول مجموعاتي الشعرية محتشدةَ بمحاولات التماس مع الأسطورة  وعناوينها دليل على ذلك (يقظة دلمون ، أناشيد إسراقيل ، خزائيل .....الخ )وحتى مسرحياتي كانت قد سبقت بحوثي الأكاديمية في الأسطورة وتاريخ الأديان ثم رافقتها .
استعملت الأسطورة في الشعر والمسرح بطريقة جديدة تماماً ، فقد ذابت مادتها كلياً في النسيج الإبداعي للقصيدة أو النص أو المسرحية ولم تعد كولاجاً أو لافتةً أو استهلاكاً  كما كان يفعل الشعراء قبلي .
الشاعر ، عندي ، صانع أساطير شخصية . والأساطير العامة ، التي هي ملك المخزون الجمعي للناس،   تحاول أن تضع الإطار العام للإسطورة الشخصية  أما المادة التفصيلية فهي أسطورة الشاعر الشخصية .

* وماهي (الأسطورة الشخصية ) ؟
ـ الحب هو أعظم أسطورة شخصية ، وكذلك انتظار الموت . وهناك الألم والمغاور العرفانية للروح ، هناك المثل الخاصة ، هناك الميول الشاردة والنادرة للشاعر . المهم هو أن نصنع منظومةَ متجانسة من الأساطير التي يصنعها الشعر أو يراها في أهل عصره ، فحين يحول الشاعر  حياته وتكوينه من الحياة الى الكتابة وحين يصهر كل جنونه ورغباته وألمه ومخاضه اليومي في سبيكة متناغمة اسمها نصوصه الشعرية فإن أسطورته تتكون ، ولذلك تكون الأسطورة الشخصية مزيجاً من الحياة والكتابة اللتين تتعانقان لخلق ملحمة الإنسان البسيط أو الخاص ، لافرق ، كانت الأسطورة الشخصية هاجسي ومازالت .
الشاعر الذي يخفق في رفع حياته من المجرى العام الى مستوى الأسطورة الشخصية شاعر فاشل.

*جيل السبيعنيات الشعري ، ان كنت ممن يؤمنون بفكرة التجييل،ملتبس ،ومثير،ومتنكر لوصايا الجيل السابق ..لكن الاحداث والهزات الكبيرة ،شتت اصواته ومزقت أحلامه ..هل كان يؤسس لمشروعه الشعري ؟وهل أُنصف نقدياً؟

ـ كل جيلٍ شعري يبدأ متراصّاً قوياً  مضاداً محتدماً .. ثم يتفرق شعراؤه ، فمنهم من يهبط الى الأسفل معلناً انسحابه أو توقفه  ، ومنهم من يبقى مستمراً (ولكن بشكل فردي ) ، وهذا قانون عام لحركة الأجيال الأدبية ، فقد حصل مع جيل الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات .، بنفس الطريقة رغم تفاوت الأحدات وتباعدها النسبي .
وأنا مع الحديث عن بداية أي جيل في شروعها الأول فقط وعلى مايقرب من عقد واحد  أما بعد ذلك فلكل شاعر خصوصيته بعيداً عن ماكان يفعله جيله أو ماسيفعله شعراؤه فرادى ، أو ماتفعله الأجيال الأخرى .ان التجييل نوعٌ من محاولة الظهور اللافت ومحاولة لقطع الطريق على جيل سابق مهيمن  والمجيئ بإضافةٍ جديدةٍ سرعان ماتنتهي كفكرةٍ جماعيةٍ ثم يبدأ شعراؤها كأفرادٍ بعدها وليس كموقعي عقـد أو بيان .ومنذ جيل السبعينات توقف الناقد العراقي عن فحص الجديد في الشعر العراقي ،وسبب هذا يعود ، ببساطة ، الى أن أغلب النقاد هم من الستينيين الذين احتفوا  بالمنجز الستيني أولاً ثم عادوا للأسماء المكرسة قي الخمسينات لكنهم لم يفحصوا ماجاءت به الأجيال الأخرى، وهذه أخطر عيوب النقد العراقي . لقد أفسد النقاد الستينيون المشهد بانحيازهم هذا، وحين جاء النقاد السبعينيون  ثم الثمانينيون انشغلوا بنظريات النقد الجديدة وتركوا أمر الشعر العراقي .
هذا هو عيب النقاد العراقيين وهذا هو فشلهم .

 الشاعر الراحل رعد عبد القادر أسكت قلبه الخوف والرعب من السلطة ،و كمال سبتي توقف قلبه في المنفى ، وزاهر الجيزاني عاد من منفاه الاميركي لائذاً بالرمضاء، فيما سلام كاظم هو الاخريلفه الصمت في المنفى،  والماجدي بعد سنوات من الصبر والابداع ينضاف الى قائمة أسماء شعرية عراقية اخرى تعيش تحت سماء المنافي والمهاجر القصية، برأيك لم هذا الشتات الشعري العراقي الخاص بامتياز؟

ـ  لم يبدأ منفاي الآن ، بدأت منفاي  بعد منتصف  التسعينيات عندما أقمت في الأردن  ثم غادرت الى ليبيا نهائيا عام 1998 وبقيت هناك  خمس سنوات متصلة  ، وعدت بعد سقوط النظام السابق في آب 2003 . أما المنفى الأخير لي في هولندا فقد  بدأ بعد منتصف 2006.في الحقيقة أنا نادم على أني بدأت منفاي في منتصف التسعينيات ، كان يجب أن يكون في منتصف السبعينات ، فهذه الأوطان لاتعبأ بناسها وأهلها وعلى الإنسان أن يتدبر  مصيره بعيداً عنها لأنها لاتمنح الأنسان  البسيط حريته وحقوقه وكرامته فكيف إذا كان هذا الإنسان طموحاً وساعياً الى التغيير في مجتمعه .العراق منذ أن اخترقته الأحزاب الشمولية الأصولية (الماركسيةوالقومية والإسلامية) تحطمت أركانه وتهدم مجتمعه ، وهاهي النتيجة أمامنا . الأوطان تبنى بالعلم والحرية وليس بالأحزاب الشمولية وبرامجها الثورية المدمرة .

•منجزاتك الشعرية والمسرحية والفكرية تسجل انتاجاً يوماً بعد آخر،هل يمكن لنا أن نتعرف على قائمة نتاجاتك المتنوعة الغزيرة ؟

-في الشعر أصدرت ثلاثة مجلدات (الأعمال الشعرية ) التي تضم 20 مجموعة شعرية أضافة الى مجلد رابع  بعنوان ( أحزان السنة العراقية )  وهو عمل ملحمي عن خراب وأوجاع العراق ودماره ودما أهله .
في نظرية الشعر : أصدرت( العقل الشعري) بجزئين
في المسرح عرضت لي 15 مسرحية  في المسارح العراقية والعربية ، وأصدرت ثلاثة كتب مسرحية آخرها المجلد الأول من ( الأعمال المسرحية )  وأهيئ اللآن للمجلد الثاني  للنشر .
في المثولوجيا وتاريخ وعلم الأديان والحضارات  نشرت 25 كتاباً فكرياً وهناك كتب جديدة ستظهر قريباً .

•كيف تفسر هذا الإنجاز الغزير؟

ـ كما قلت لك ، لقد نأيت بنفسي عن كل ما يلوثني ويلهيني  كشاعر وكاتب حر مثل السياسة والمناصب والمال والمشاغل الأخرى وكرّست حياتني للكتابة ولكي أوصل ما أفكر به .ثم أني  حريص جدا في عدم إضاعة وقتي وتنفيذ خططي الصارمة في المكتابة والتأليف . حتى الصحافة والنشر فيها لايغريني ولا أسمح له أن يسرق وقتي.
الكتابة تحررني من الخوف والألم والذكريات المرة والمرض والشيخوخة ،إنها وجودي الحقيقي.

*حلم شعري لم يتحقق للماجدي الى الان؟

-جزء مهم من حلمي الشعري تحقق في ماكتبت ، ومازلت أحلم بالوصول الى حالة ٍ من الصفاء الروحي والجمالي . ربما أحلم أن أتأمل العالم دون كتابةٍ .. وأن أصغي لأعماقي القصية وهي تبوح لي .

* تقول: لقد ذهبوا مبكرين وتركوني وحيداً /رغم أن لي عزلةً وبيتاً وزوجةً ومشاغل ومبالغات ومقهى ومنفى وأعمالاً وبستاناً /لكني أقفُ أمام المستحيل /وغالباً ما أبكي.من خلال هذا الاختزال الشعري... كيف تنظر الى مستقبل البلاد؟

-لست متفائلاً..  لأن من يسيطر على البلاد الآن من الساسة غير ناضجين ويغلبون مصالحهم الخاصة والفئوية الضيقة على  بناء البلاد ، بل صار واضحاَ لنا أنهم لايلايدون بناء البلاد أو الإنسان لأن ذلك يهدد وجودهم ، ولأن هناك قطّاعات واسعة من الناس مازالت تعيش في الجهل  ، ولأن التعليم في العراق متدهور والعلم ثانوي جداً . كل هذا سيكرر الأزمات مجدداً ودون نهاية.
08/08/2010